نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حرائق الغابات في الباحة: فجوة البحث العلمي وتحديات الغطاء النباتي, اليوم الأحد 6 يوليو 2025 05:26 صباحاً
تشهد منطقة الباحة في السنوات الأخيرة موجات متكررة من حرائق الغابات، بعضها محدود وبعضها امتد لساعات طويلة وأتى على مساحات شاسعة من الغطاء النباتي الطبيعي، ففي واقعة حديثة بمحافظة المندق، اندلع حريق استمر قرابة خمسة أيام، استدعى تدخل طيران الدفاع المدني وفرق إطفاء متعددة دون تسجيل إصابات، وهو ما يعكس فداحة التحديات المناخية والبيئية القائمة.
هذه الظاهرة لم تعد استثناء موسميا عابرا، بل أصبحت نمطا متكررا يهدد التوازن البيئي للمنطقة، ويطرح تساؤلات جادة حول جاهزية الأنظمة البيئية والهندسية والمجتمعية لإدارة هذا النوع من المخاطر، وما يلفت الانتباه ليس فقط تعدد الحوادث، بل غياب المعالجة المؤسسية القائمة على المعرفة، والمبنية على أدوات الرصد والوقاية الحديثة.
ومنطقة الباحة تعد من البيئات الجبلية الفريدة من حيث التركيب الجغرافي والمناخي؛ فهي تجمع بين الكثافة النباتية الموسمية والوعورة الطبوغرافية والتفاوت المناخي الحاد، وقد شهدت خلال الأعوام الماضية مواسم مطرية جيدة أدت إلى نمو غزير للحشائش والنباتات الموسمية، والتي تتحول لاحقا، بعد الجفاف، إلى مادة جافة شديدة القابلية للاشتعال. إن هذا النمط، رغم أنه معلوم مسبقا في علم البيئة، إلا أنه لم يُقابل حتى الآن باستراتيجيات ميدانية فاعلة للحدّ من نتائجه.
في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى بناء قاعدة بيانات دقيقة وحديثة للغطاء النباتي في المنطقة، مدعومة بتحليل خرائطي دوري، وربطها بمؤشرات الرطوبة والحرارة وسرعة الرياح. كما أن تقنيات الاستشعار عن بعد يمكن أن تُستخدم لرصد التغيرات في الكتلة النباتية عبر الزمن، والتنبؤ بالمناطق الأكثر عرضة للخطر.
وتعد المؤسسات العلمية ومراكز الأبحاث البيئية شريكا أساسيا في تصميم هذا النوع من الحلول. فبإمكانها أن تسهم في تطوير:
- مؤشرات تقييم خطورة الحريق في كل نطاق بيئي داخل المنطقة.
- نماذج تنبؤية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأدوات التحليل المكاني.
- برامج تدريبية تستهدف فرق البلديات، والحماية المدنية، والسكان المحليين.
وقد أثبتت تجارب عالمية أن هذا النوع من المشكلات لا يُحل بالإطفاء وحده، بل بالهندسة الوقائية القائمة على فهم دقيق للمكان، ففي أستراليا، تُنفذ حرائق موصوفة في مواسم منخفضة الخطورة لتقليل كثافة الكتلة النباتية، وتُدار هذه العمليات بعناية علمية شديدة، أما في البرتغال، فقد أدت منصة تربط بين قواعد البيانات المناخية والغطاء النباتي إلى تحسين جدولة التدخلات الوقائية، وتقليص زمن الاستجابة عند الاشتعال.
وتعتمد الولايات المتحدة نموذجا مجتمعيا فعالا من خلال برنامج Firewise Communities، حيث يُشرك السكان في تقييم منازلهم والمناطق المحيطة بها، وتعزيز مقاومة الحريق من خلال خطوات بسيطة، مدروسة، لكنها فعالة، بينما وظفت كندا الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالبؤر الخطرة بناء على تحليل ثلاثي الأبعاد للغطاء النباتي والطقس والنشاط البشري، أما المغرب، فطوّر نموذجا استباقيا متدرجا شمل خرائط حرائق محدثة، وإشراك المجتمعات الريفية في تنظيف الحقول والغابات، وتدريبهم على الإنذار المبكر.
هذه التجارب، رغم تنوع بيئاتها، تجمع على حقيقة واحدة: لا يمكن التعامل مع حرائق الغابات بوصفها مفاجآت موسمية، بل يجب إدارتها كملف بيئي مركزي تُبنى عليه السياسات والقرارات المحلية، وفي هذا السياق، يُسجَّل للمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر إطلاقه دراسة تطبيقية متقدمة بالتعاون مع جامعة الملك خالد وجامعة موناش الأسترالية، تضمنت بناء قاعدة بيانات رقمية، وتفعيل نظم إنذار مبكر، وتعزيز المشاركة المجتمعية في الوقاية، وهذا النموذج الوطني، القابل للتكييف مع بيئة الباحة، يمثل فرصة عملية لاختصار الفجوة بين الرؤية والتطبيق.
وللحد من تكرار هذه الظواهر في الباحة، نوصي بما يلي:
1- إنشاء مرصد بيئي إقليمي لرصد حالة الغطاء النباتي وتحليل مخاطره وتحديث بياناته بانتظام.
2- تطبيق خطة متكاملة لإدارة مخلفات الأمطار الموسمية، وتشمل القص الوقائي للحشائش، تدويرها بيئيا، أو الاستفادة منها كأعلاف وأسمدة.
3- تعزيز الشراكة بين الجهات البيئية والبحثية والتنفيذية، عبر مشروعات ميدانية طويلة الأجل.
4- تفعيل برامج مجتمعية توعوية تطبيقية، تشمل المدارس والقرى والبلديات، وتربط بين المعرفة والسلوك.
في الختام، إن تكرار حرائق الغابات في الباحة ليس مجرد حادثة بيئية، بل إنذار مفتوح يدعو لإعادة التفكير في آليات الوقاية، وسبل الرصد، وفلسفة الإدارة البيئية ككل، والمضي نحو إدارة فعّالة لا يتطلب اختراع أدوات جديدة، بل تفعيل ما هو متاح، وربطه بقراءة علمية واعية للبيئة المحلية، وتحويل المعرفة إلى ممارسة.
0 تعليق